... و ما بينهما !!
شعر : د. جمال مرسي
غِــــيَــــابٌ رَاحَ يُــــنــــذِرُ بِــالــغِــيَـــابِ
حُــضُــورٌ جَــــاءَ يُـنـبِــئُ بِـاغـتِـرَابِـي
يَـنَـابِـيــعٌ تَـفَــجَّــرُ فــــــي ضُــلُــوعِــي
و مَـــا زَالَ الـلَّـظَـى يَــكــوِي إهَــابِــي
صَحَارَى التِّيـهِ تَشـرَبُ مِـن عُيُونِـي
ومَــا زِلــتُ الـمُـحَـدِّقَ فِـــي الـسَّــرَابِ
أَطِـيــرُ عَــلَــى جَــنَــاحٍ مِــــن يَـقِـيــنٍ
لأَســقُـــطَ فِـــــي دَيَـاجِــيــرِ ارتِـــيَـــابِ
ويَـجـنَـحُ بِـــي خَـيَــالٌ ، أنـــتِ فِــيــهِ
كَوَمضِ البَرقِ فِـي عَيـنِ السَّحَـابِ
عَـلَــى أَغـصَـانِـكِ الـخَـضـرَاءِ تَـلـهُـو
فَـــرَاشَـــاتُ الــتَّــمَــرِّدِ و الـتَّــصَــابِــي
و فِـــي جَـنَّـاتِـكِ الـفَـيـحَـاءِ ، يَـتـلُــو
حَـمَـامُـكِ مَـــا تَـسَـطَّـرَ فِـــي كِـتَـابِـي
أَنَـا نِصفَـانِ ، نِصـفٌ فِــي هُـدُوئِـي
و نِـصـفٌ قَــد تَــوَارَى فِـــي عُـبَـابِـي
أَنَا شَمسَـانِ ، شَمـسٌ فِـي جَبِينِـي
و شَـمـسٌ قَــد أَشَـعَّـت فِــي ثِـيَـابِـي
أَنَـــا مَـطَــرٌ ، بِـرَغــمِ هَـزِيــمِ رَعــــدِي
بِـــــــهِ رَوَّيـــــــتُ أَزهَـــــــارَ الـــرَّوَابِــــي
أَنَـــا مَـــا كُـنــتُ ظِـــلاًّ ، بَـيــدَ أنِّــــي
أُظَـلِّــلُ مَـــن تَـعـثَّـرَ مِـــن صِـحَـابِــي
أَحِـنُّ و لَـسـتُ أَحـنِـي رَأسَ شِـعـرِي
و أَحنُـو مَـا حَيِيِـتُ عَلَـى المُصَـابِ
سَــلِــي عَــنِّــي إِذَا أُنـسِـيــتِ قَـــــدرِي
أَنَا الحَـادِي ، و غَيـرِي فِـي رِكَابِـي
أُحِـبُّـكِ ، لَــم تَــزَل بِـدِمَــايَ تَـســرِي
و فِــي عَيـنَـيَّ يَفضَحُـنـي شِـهَـابِـي
أُحِـبُّــكِ ، لا أُمَـــارِي فِـــي شُــعُــورِي
و مَـــا كُــنــتُ الـمُـزَايِــدَ و الـمُـرَابِــي
فَــــلاَ يَــغـــرُرْكِ أَنِّـــــي قَـــــد تَـنَــاهَــى
إِلَـــى عَـيْـنَـيـكِ حُــبِّــي و انـتِـسَـابِـي
و لا يَــغـــرُرْكِ أَنَّـــــكِ كُــنـــتِ بَــــــدراً
أَطَــــلَّ عَــلَــيَّ فِــــي لَــيـــلِ اكـتِــئَــابِ
فَــإِن كُـنـتِ الأَمِـيـرَةَ فَـــوقَ عَـرشِــي
فَـقَـد شَـيَّـدتُ عَـرشَـكِ مِــن شَـبَـابِـي
وَهَـبـتُــكِ مَـــــا تَـمَــنَّــى كُـــــلُّ أُنــثَـــى
و لَـم أَحصُـدْ سِـوَى شَــوكِ الغِـيَـابِ
مَـنَـحـتُ لِـقَـلـبِـكِ الـخَـفَّــاقِ نَـبـضِــي
سَـلِـيـهِ يُـجِـبْـكِ يــــا ذَاتَ الـحِـجَــابِ
سَـلِـي عَينَـيـكِ كَـــم كَفـكَـفـتُ دَمـعــاً
و ثَـغـرَكِ كــم تــروَّى مِـــن رُضَـابِــي
سَـلِــي يُـمـنَـاكِ كَـــم نَـامَــت بِـكَـفِّــي
و خَوفَكِ كَـم تَحَصَّـنَ فِـي هِضَابـي
سَلِـي اللَّيـلَ الــذِي نَـهَـشَ الأَمَـانِـي
بِـمِـخــلَــبِــهِ ، و مَــزَّقَـــهَـــا بِــــنَــــابِ
يُجِـبْـكِ بِـأَنَّـنِـي مَـــن كُـنــتُ أَقـضِــي
عَـلَـيـهِ ، بِــــلا سُــيُــوفٍ أو حِــــرابِ
فَـيَـهــرُبُ مِـثـلَـمَـا الـجَـانِــي طــريـــداً
هُـرُوبَ الـوَحـشِ مِــن آسَــادِ غَــابِ
و كَـانَــت ضِحْـكَـتِـي تَـنـسَـابُ فِـيــهِ
إِلَـــــى أُذُنَــيـــكِ كَـالـخَـمــرِ الـــمُـــذَابِ
و كُنـتُ أُضِـيءُ كُــلَّ شُـمُـوعِ قَلـبِـي
لأَجــلِـــكِ فِـــــي ذَهَــــــابٍ أو إِيَــــــابِ
و كَم سَهِرَتْ عَلَيـكِ عُيُـونُ شِعـرِي
و نِمتِ عَلَـى السَّكِينَـةِ فِـي جَنَابِـي
أَيَـــــا وَطَــنـــاً يَـتِــيــهُ الـنِّــيــلُ فِـــيِـــهِ
أُعَـــاتـــبُـــهُ فَــيُــصــغِـــي لــلــعِـــتَـــابِ
و أَعـــــزِفُ عِــنـــدَهُ لَـحــنــاً حَـزِيــنــاً
فَـيَـســحَــرُنِــي بِــأَلـــحَـــانٍ عِـــــــــذابِ
و أُغــرِقُ فـيِـهِ كُــلَّ سِنـيـنِ يَـأسِــي
و أَسـتَـهـدِيِــه يُـلـهِـمُـنِـي صَـــوَابِـــي
أغـــارَ الـنـيـلُ ، أم ضــلّــت خــطــاهُ
و من كالنيلِ عوناً في المُصابِ ؟
أَتُـوصِــدُ كُـــلَّ بَــــابٍ فــــي عُـيُـونِــي
و فِـــي قَـلـبِـي أُوَارِبُ كُــــلَّ بَــــابِ ؟
و تَتـرُكُـنِـي عَــلَــى وَلَــهــي وَحِــيــداً
أُفَـتِّــشُ فِـــي خَـيَـالِـي عَـــن جَــــوَابِ
التوقيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع